ويلٌ لروسيا وأوكرانيا من شر المحللين العرب!



إضافة إلى السلام العالمي (الذي لا أعرف متى كان موجودا حتى ننعاه)، خرقت العملية العسكرية الروسية صومي المبارك المستمر منذ أكثر من 5 أعوام عن متابعة أي إخبارية عربية. لا أخفي عنكم أن الهدوء ووضوح الرؤية اللذين يحلان بمن ينأى بنفسه عن الإعلام العربي لا يضاهيهما شعور.

ولمن يود أن يعلم كيف يمكن لصحافي ومنتج برامج وأفلام وثائقية أن يعلم ما يجري في العالم وأن يحيط بالمهم بل ويمتلك إحاطة وافية من دون متابعة التلفزيون او مواقع الأخبار ومجموعات واتسآب وتلغرام، يمكنه مراسلتي مباشرة لأصف له مجانا العلاج الشافي بإذن الله.

والحقيقة أني لم أكن لأهتم حتى باندلاع حرب عالمية ثالثة لولا أن هذه الحرب تحديدا تحمل في طيّاتها أبعادًا تكنولوجية غير مسبوقة، ما يجعلها في صلب اهتماماتي كوني على خطى التخصص الأكاديمي الثالث في مجال التكنولوجيا، بعد الصحافة وعلم النفس.

حتى اللحظة، المسألة لا تدعو للتأفف أو الضجر، إذ لدّي من الأسباب الشخصية الكثير لأتابع الحرب عن كثب. في أسوأ الأحوال هي مناسبة لأتدرب أكثر على التحدث بالروسية، التي أتابع دراستها منذ أشهر، وفرصة لتفعيل التواصل مع الكثير من الأصدقاء الصحفيين الاستقصائيين الأوكرانيين من مستوى أولئك الذين يعملون على الفضائح العابرة للحدود.

أتنقل بين القنوات لأبحث عن تحليل "عليه قدر وقيمة" فأصادف التالي:

-          وسائل إعلام تمجّ مجًا خبر أن الرئيس الأوكراني كان ممثلا كوميديا، وبعضها يقدم الخبر على أنه نقيصة للمسكين الذي افتخر منذ اليوم الأول لانتخابه بأنه "مهرج"! علمًا أنه في عالمنا العربي قد يصل المهرجون إلى أعلى المناصب والرتب من دون أن يكتشف عامة الجمهور حقيقتهم! ثم إنّ الرجل وصل بأصوات شعبه سواء أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم، ومحاولة النيل منه بتكرار معزوفة أنه ممثل كوميدي، والكوميديا الناجحة لا تخلو من لمعات وإشارات، لا تكشف سوى ابتلاء هذه الأمة بعقول غير ناضجة لا تقرأ ولا تفهم و تتولى تثقيفها.

-          رواد صالونات سياسية يشرحون ديناميات موازين القوى في العام 2022 بأفكار سمعوها من المهرجين "الواصلين" أعلاه في جلسة "نرجيلة" (أركيلة) عامرة أو فوق طبق ملوخية تكتيكي (والله العظيم انا لا امزح).

-          محللون عسكريون بعدد رمل البحر يشرحون سبب رسم حرفZ  على الدبابات الروسية، وبعضهم ممن أنعم الله عليه بنيشان عسكري من زمن داحس والغبراء لبراعته في الفرار على متن بغلة مدّرعة، يستفيضون في نقل نظريات يكررونها في كل حدث مهما بلغ حجمه. سواء كان شجارا بين قبيلتين في بلدة عربية أو مناوشة على الحدود بين جارين لدودين. العبارات نفسها. الأفكار نفسها. الخطاب الممل نفسه.

-          استراتيجيون يمتشقون أنوفهم ويدمرون بها عقول المشاهدين. استراتيجيون من الطراز الذي لا يمكنه مجادلته لأنه ببساطة يفتقد إلى أدنى معايير المنطق والتعقل. استراتيجيون لديهم الجرأة على استغباء عقول الجمهور إلى حد الربط ما بين ارتفاع النشاط الشعاعي نتيجة تحرك الأتربة حول "تشيرنوبيل" ومكافحة الفساد في بيروت. استراتيجيون من طراز تتمنى معه لو أنك كنت في روما القديمة حين غنى نيرون "قوم نحرق هالمدينة" فألهبها – حرفيا – بأهلها وما فيها.

-          إعلاميون اعتادوا التنافس على فهم مفقود لمجرد أن الإله – شاءت حكمته – قد وضعهم أمام كاميرا (وهو سبحانه إذا أعطى أدهش)، فأقسموا ألا يسبقهم أحد في الإنشاء والتسطيح والتنميط والتعميم والشحن والتفريغ، وإذا ما حاولت لفت نظرهم إلى تفاهتهم كأنك نزعت فتيل انفجار الأنا المتورمة التي تغذيها سلوكيات أسوأ مهنة في العالم قبل الدعارة بقرون: مهنة الصحافة. مهنة الكلام. و"بعض الكلمات قبور".

 

..يتبع