ضاقت بك سُبُل الحياة بحثا عن عمل من دون طائل؟ تُعاني أزمة عاطفية حادّة وعميقة؟ تستهويك إلياذة "هوميروس"؟ تختار الأكلات ذات الأسماء الغريبة والعجيبة؟ تحتسي القهوة ولديك القدرة على الجلوس لساعات في المقاهي للتحدث بمصير دول لم تزرها قط؟ علاماتك المدرسية في اختبارات الإنشاء كانت الأعلى؟ عديم الموهبة ولا تتقن شيئا غير الكلام؟ أبشر يا عم.. لقد تأهلت للتّو لتصبح خبيراً و محللاً استراتيجياً.
دعك والمؤهلات العلمية اللازمة؛ ففي بلاد العرب توزّع الألقاب مجاناً منذ أن أطلقوا في الجاهلية على أحد ملوك الأزد في اليمن ويُدعى "عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، أطلقوا عليه لقب "ميزيقياء" لأنه كان يمزق كلّ يومٌ لباسه ولا يعود إلى لبسه مرةً أخرى ... يا سلام.. فنانٌ مرهف "عمرو بن عامر" هذا..و لا "كوكو شانيل" في زمانها.

المهم، إليك هذه الخطوات البسيطة اللازم مراعاتها في مهنتك الجديدة:
- الاستراتيجيا والتواضع "دونت ميكس". عليك برفع أنفك عالياً. و إذا إبتلاك الله بأنف معكوف ومنخفض منذ الولادة عليك بالعمليات الجراحية. إمتشق أنفك ..دمّر به الأعداء..والمشاهدين.

- خاطب نفسك يومياً بأنّ العصور لم تنجب أحداً مثلك. رددها خاصة في لحظات الجفاف العاطفي، وعند ممارسة حاجاتك الطبيعية. حطّم نظريات فرويد في تحليل النفس البشرية الوضيعة. إنطلق. طِر إلى الفضاء يا غراندايزر..

- أكثر من إستخدام المفردات والمصطلحات الثقيلة المرتبطة بالاستراتيجيا؛ مثال: "التخطيط المركزي لتعدد الزوجات"، "التطبيق الجيوسياسي في تأثير الفول القاسي". أطلق العنان لمخيّلتك في الابتكار. لا تقلق. لن يحاسبك أحد !.

- اخترع الكثير من الأسرار. اخترعها يا أخي. الرئيس الأميركي اجتمع بالرئيس الروسي؟ أدهشنا بكشف ما دار بينهما في اللقاء الخاص. أضف على الرواية بعضاً من عناصر التشويق الدرامية:

"داخل غرفة الإجتماعات الخاصة في البيت الأبيض حيث لا يتواجد أحد، جلس الرئيسان وحدهما بعيداً عن أعين الكاميرات. كان الرئيس الروسي يحدّق في صورة السيدة الأولى الأميركية و يبدي إعجابه بجمالها، بينما كان الرئيس الأميركي يلاعب كلبه ويوزع الابتسامات أمام ضيفه الكبير. فجأة ساد الصمت في الغرفة. التفت الأول إلى الثاني وسأله مباشرة: تشغلّي هالمصاري معك بالبورصة؟".

وإذا تجرأ المُحاور على سؤالك عن كيفية معرفتك لكل ما دار بين الرئيسين، أجب بابتسامة متعالية وببلادة: "مصادري الخاصة".

- الإستراتيجيون يحتسون القهوة السوداء، ويرتدون النظارات حتى لو لم يكن لديهم مشكلة صحية. القهوة والنظارات تضفي عمقًا على الشخصية. هذه من بديهيات الإستراتيجيا. أحد الإستراتيجيين توقف ذات مرة عن احتساء القهوة فتحول إلى "حتّة" باحث. أرسلها الآن إلى عشرة من أصدقائك وستسمع خبراً ساراً.


ملاحظة أخيرة. لا يخفى على القارئ الذكي أننا استطعنا في هذا المقال الهام ضرب عصفورين بحجر واحد، حيث تناولنا مهنة الاستراتيجيا، كما أثبتنا في الوقت نفسه بالتحليل والاستنباط وبالدليل التاريخي القاطع أن "كوكو شانيل" عربية النسب والأصل، وأنّ إسمها الحقيقي "كريمة الرجراج"، ولكنّ الاستعمار الفرنسي الغاشم كان يدلعها باسم "كوكو" لغايات تآمرية خبيثة.


* كاتب هذه السطور العبد الفقير إلى رحمة الله كان محسوبًا على صنف الكائنات الاستراتيجية، ولكن الدهر نال منه، وصار "يستجدي" الحقيقة بالتدوينات الساخرة...ومن ساواك بالسخرية منك بنفسه ما ظلمك !