اسمحوا لي أن أشير إلى أنّني سأستخدم عبارة "الذكاء الصناعي" تسامحاً، لأنَّ الإعلام في العالم بأسره يخلط ما بين الخوارزميات Algorithms، وتعلم الآلة Machine Learning، والتعلم العميق Deep Learning، والذكاء الصناعي Artificial Intelligence، بسبب عدم التمييز بين هذه المفاهيم في هذه المجالات المتداخلة تارة، وطوراً بسبب لوثة "التسويق" التي ما دخلت مجالاً في الحياة إلا وأفسدته وأفرغته من مضمونه!

------------------------------------




"بالكثير من الدموع"، استقبل فريق من الأطباء الأميركيين الأسبوع الفائت نبأ شفاء 12 مريضاً كانوا في مرحلة متقدمة من المعاناة بسبب سرطان المستقيم، بعد أن واظبوا على تناول عقار يُستخدم عادة كعلاج مناعي في حالات سرطان الرحم.

على الأطباء في المرحلة التالية التعامل مع السيناريوهات التالية:

- الانتظار بضعة أشهر قبل الجزم بأنَّ السرطان تم القضاء عليه نهائياً لدى المرضى الذين تعافوا.

- إجراء الدراسة على عدد كافٍ من المرضى لرصد أيّ أعراض جانبية خطرة.

- تعزيز فعالية الدواء في كشف الخلايا السرطانية عن طريق استخدام التعلم الآلي.

قبل أيام قليلة أيضاً، طورّ باحثون في مركز للطب الجزيئي في ألمانيا برنامج تعلم آلي، أطلقوا عليه اسم "إيكاروس"، وهو قادر على تمييز الخلايا السرطانية عن تلك السليمة، من خلال تحديد سمات جينية مميزة تتكرر دائماً في كتل الأورام داخل الجسم.

تكمن أهمية هذا البرنامج في أنه يغذّي نفسه بنفسه عبر معالجة بيانات التدريب، ليجد أجوبة عن أسئلة يطرحها الأطباء دائماً في مواجهة السرطان. في نهاية عام 2021، استخدم أطباء في بريطانيا خوارزمية لتشخيص الإصابة بسرطان البروستاتا، ثم انكبوا على تطوير نظام مشابه لتشخيص سرطان الثدي. وفي عام 2019، شهد 157 طبيباً ألمانيا تفوق برنامج حاسوبي عليهم في تشخيص سرطان الجلد لدى 100 حالة.
مجالات الاستخدام والأفق الواعد

التّجارب جميعها أعلاه هي غيض من فيض فيما يتعلق بتقاطع "الذكاء الصناعي" ومكافحة السرطان، إذ إن التكنولوجيا المذكورة باتت تساهم بشكل واسع في المهام التالية:

- اكتشاف السرطان في مراحله الأولى.

- تحديد مرحلة الورم.

- تحديد درجة فعالية العلاج.

في المهامّ الثلاث أعلاه، تؤدي أجهزة التصوير بالأشعة دور تأمين البيانات اللازمة لبرامج التعلم الآلي، قبل أن يصبح بين يدي الاختصاصي، كما المريض، صورة وافية عن الحالة المرضية بسرعة قياسية.

لن أستفيض في شرح كيفية عمل "الذكاء الصناعي" في المهام التي أوردناها، لأنَّ ما يهمني هو الإضاءة على مستقبل التقنية والمآلات المحتملة لاستخدامها في واحدة من أشرس معارك العلم وأقدمها في التاريخ.

كما في بقية الأمراض، "الوقاية خيرٌ من قنطار علاج" في مواجهة السّرطان. في هذا الإطار، أصبحت النماذج التنبؤية سلاحاً فعالاً للوقاية من المرض العضال. بتفصيل أدقّ، يمكن للتعلم العميق التنبؤ باحتمالات إصابة أيّ إنسان بأنواع محدّدة من السرطان بعد تزويده بالبيانات الحيويّة اللازمة.

في مرحلة لاحقة، من شأن التعلم العميق المساهمة بشكل أكبر في مراقبة أنماط يومية من حياتنا وجمع الاحتمالات لتحليل احتمال الإصابة بالسرطان نتيجة مراكمة سلوكيات صحية خاطئة.

ولا ترتبط النماذج التنبؤية بأنماط العيش فقط، إذ إن بعض أنواع السرطان، كسرطان الثدي على سبيل المثال، تخضع لسمات بيولوجية لها علاقة بالتفاوت في حجم الخلايا الدهنية والخلايا الغدية. وبالتالي، يمكن للتعلم العميق العثور على تفاصيل غير ملحوظة سابقاً ترتبط باحتمالات أعلى للإصابة بهذا النوع من السرطان.

ومن شأن هذه النماذج إنقاذ حياة ملايين الأشخاص سنوياً بدلاً من إخضاعهم لعلاجات غير مضمونة النتائج وباهظة الأثمان في الكثير من الحالات. وبشكل موازٍ، باستطاعة التعلم العميق توفير صورة وافية عن احتمالات نجاح العلاج، ما يسهّل على المرضى والأطباء في آن اتخاذ القرار المناسب.

إلى الوقاية، باستطاعة التعلم الآلي المساهمة بشكل فعال في تطوير أساليب علاجية مناسبة بحسب الحالة، عبر التنبؤ بمدى استجابة المريض لعلاج دون غيره. يشكّل سرطان البروستاتا في المراحل المتقدمة تحدّياً في هذا المجال، إذ لا يمتلك الأطباء خيارات كثيرة للعلاج.

التنبؤ بالعلاج الدقيق المناسب للحالة قد يكون مسألة حياة أو موت في كثير من حالات سرطان البروستاتا المتقدمة. وهنا يأتي دور الخوارزميات مرة أخرى.

في أحدث دراسة، استطاع باحثون في معهد السرطان الوطني في الولايات المتحدة الأميركية تمييز 15 نوعاً مختلفاً من السرطان بواسطة نماذج مبنية على التعلم الآلي. تم التحقق من صحة النماذج من خلال مجموعة بيانات سريرية تم فيها استخدام 7 أنواع من العلاج الكيميائي، تم إعطاؤها بشكل فردي أو جماعي لـ23 مريضاً بسرطان المبيض. وقد أظهر النموذج دقة تنبؤية إجمالية بنسبة 91%.

مع استمرار تطوّر قدرات الذكاء الاصطناعي، يعكف الباحثون على ابتكار أدوات وبرمجيات في مواجهة المرض الذي لن يثير فينا يوماً ما الخوف بإذن الله.